بسم الله الرحمن الرحيم
موقف الإسلام من العلمانية
تقديم:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد...
فإن الساحة العالمية تموج في هذه الأيام بالعديد من الاتجاهات والمذاهب الفكرية، ولكل اتجاه من هذه الاتجاهات رموزه وأقلامه وإعلامه، ومن وراء ذلك حشود من القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولا يخفى على المتأمل في وقائع هذا المعترك الفكري أنه يوشك أن يسفر عن مواجهة محتومة ينحاز فيها الناس إلى فسطاطين:
- فسطاط للإسلام ينحاز إليه دعاة الإسلام وحملة الشريعة ومن بقي على وفائه لدينه من الأمة.
- وفسطاط للعلمانية ينحاز إليه دعاة التغريب وعبدة الهوى وخصوم الشريعة من كل ملة.
- وإذا كانت المواجهة الوشيكة تتشكل على هذا النحو فقد بات من الضروري أن يستفيض البلاغ بحقائق الإسلام وقواطعه التي تشكل مفترق الطرق بينه وبين هذه العلمانية الغازية التي تحشد اليوم أجنادها وتستجمع فلولها لترمي أمة الإسلام عن قوس واحدة!
لقد تعبدنا الله -عز وجل- باستبانة سبيل المجرمين، وجعل ذلك هدفًا من أهداف التفضيل القرآني للآيات كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55].
فسفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح، وإنشاء اليقين الاعتقادي بالحق في عالم الضمائر وقوة الاندفاع به في عالم الواقع لا ينشأ فقط من شعور صاحب الحق أنه على الحق، بل ومن شعوره كذلك بأن الذي يحاربه على الباطل.
من أجل هذا فإن الحديث عن العلمانية وبيان نقضها لأصل الدين، وخروجها عما أجمع عليه السابقون واللاحقون من المسلمين يعد حلقة في سلسلة استبانة سبيل المجرمين، ونرجو أن يكون خطوة جادة على طريق استعادة الهوية واستئناف هذه الأمة لمسيرتها الحضارية.
ولما كان الحكم على الشيء فرعًا من تصوره فإننا نبدأ بالتعرف على هذا المذهب: مصطلحًا، ونشأة، وتغلغلا، وآثارًا، لنوطئ بذلك للحديث عن موقف الإسلام منه، وما يجب على أمة الإسلام تجاهه.
ملاحظة: يجب التحرز عند الكلام في هذا الموضوع من تكفير المعين إلا بشروط بابه
أولاً: مفهوم العلمانية:
تعبير العلمانية تعبير محدث لم يرد له ذكر في المعاجم العربية القديمة، وقد ورد هذا التعبير لأول مرةٍ في قاموس ثنائي اللغة [فرنسي- عربي] ألفه أحد تراجمة الحملة الفرنسية واسمه لويس بقطر المصري، وقد طبع جزؤه الأول في مارس 1828م، ثم دخلت الكلمة بعد ذلك إلى اللغة العربية، وأول معجم في اللغة العربية ورد فيه هذا التعبير هو المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
فقد جاء في طبعته الأولى الصادرة سنة 1960م: (العلماني): نسبة إلى العلم، بمعنى العالم، وهو خلاف الديني، أو (الكهنوتي)، وبقي الأمر كذلك في الطبعة الثانية الصادرة سنة 1979م، أما في الطبعة الثالثة، التي صدرت سنة 1985م، فقد وردت الكلمة فيه مكاسورة العين، بعد أن ظلت مفتوحة في الطبعتين الماضيتين.
والعلماني (مفتوحة العين) نسبة إلى العلم (بفتح العين وسكون اللام) بمعنى العالم، أي الخلق كله.
والعلماني (بكاسر العين) نسبة إلى العلم التجريبي، الذي انتصر على الكنيسة، بعد صراع مرير، سالت فيه دماء، وأزهقت فيه أرواح؛ لأن الكنيسة كانت بالمرصاد لكل رأي علمي يعارض التفسير الديني للكتاب المقدس.
جناية المصطلحات:
بيد أن استعمال هذا المصطلح بالكاسر استعمال ينطوي على قدر كبير من الخطأ والتلبيس.